موريشيوس في عيون عربية
د.وفا علي وفا
جزيرة موريشيوس درة المحيط الهندي ولؤلؤته المكنونة ، ننظر إليها نحن العرب بإكبار واحترام شديديين لما تتميز به من هبات وهبها الرحمن سبحانه وتعالى إياها ، فهي رغم صغر حجمها إلا أنها جمعت بين ثقافات وعرقيات ولغات وأديان مختلفة، وكانت مع ذلك الاختلاف نموذجا رائعا في التعايش والتفاهم والتعاون، كما تنوعت فيها مشاهد الطبيعة والجمال بحيث أنك يمكن أن تشاهد فيها خلال ثلاث أو أربع ساعات ما يمكن أن تشاهده في قارة بأكملها من حدائق وغابات وشلالات وشواطيء وجبال ووديان وعيون وأنهار ومعارض ومطاعم غاية في الجمال والمتعة. كما أنك ستسمع فيها الألسنة العربية والانجليزية والفرنسية والأردية والهندية والصينية والكريولية.
كنت أقرأ عن أثر البيئة في طباع أهلها وأخلاق سكانها حتى أقمت في موريشيوس فرأيت حقيقة ذلك في رقة أهلها ولطف سكانها، ذلك اللطف الذي يتناغم وينبع من جمال أرضها وعذوبة مائها
تلك الجزيرة الإفريقية الخلابة الواقعة في المحيط الهندي، يكمن سر قوتها ونهضتها، وتميزها بين دول إفريقيا في الاهتمام الشديد بالإنسان كإنسان بغض النظر عن أصله أو لونه أو دينه، كما يبدو سر قوتها في التعايش والتمازج بين سكانها ، ومن ثم فإن اختلاف الأجناس والثقافات المختلفة فيها كان عامل قوة في النهوض بها. فتراها وقد تمازجت الثقافات لتتلاقح في تناغم بعيدا عن المذهبية والعصبية للدين أو الجنس.
ورغم أن مساحتها صغيرة جدا ومصادر دخلها محدود جدا ، إلا أنها توفر التعليم مجانا حتى نهاية المرحلة الجامعية، كما أن نقل الطلاب إلى المدارس تكفله الدولة، فالتعليم بكافة تخصصاته خدمة مجانية في موريشيوس وليست سلعة للبيع
والتعليم في جزيرة موريشيوس إلزامي من سن 6 إلى 16 سنة، وهذا يسد باب الأمية من منابعها، ومن ثم لا أمية في موريشيوس إلا فيما ندر
كما أنها توفر العلاج والرعاية الصحية مجانا لجميع من على أرضها من مواطنيها وغيرهم ويشمل ذلك العمليات الجراحية ذات التكاليف الباهظة فلا تجارة في صحة المواطنين
موريشيوس تكفل كبار السن، وتوفر لهم معاشا يكفيهم لعيش حياة كريمة ، كما أنها بها دورا لرعاية المسنين واليتامى تكفلها الدولة وترعاها بعناية شديدة
والدولة تبذل جهودا جبارة في مكافحة الجرائم والمخدرات، ومن العجيب أن الدولة توفر للمدمنين جرعات دوائية آمنة تساعد على التعافي والعلاج وتعطي من قبل الشرطة ؛ وذلك خوفا على حياة المدمنين من أخذ جرعات زائدة تودي بحياتهم من قبل المجرمين، وحتى تقيهم الحكومة من اللجوء للسرقة واقتراف الجريمة، واعتبرت الحكومة بموافقة البرلمان أن القيام بهذا العمل مع المدمنين هو ارتكاب لأخف الضررين
وقد أثمر اهتمام الدولة بالمواطنين حالة قوية جدا من الانتماء والأمن قلما تجد له نظيرا في دولة أخرى
المواطنون في جمهورية موريشيوس من أغنى موطني دول إفريقيا رغم انعدام الموارد الطبيعية فيها من زيوت أو معادن، وإنما اعتمادها اقتصاديا على الإنسان ثم الزراعة والسياحة وصناعة المنسوجات وتكنولوجيا المعلومات
المواطن يعامل من قبل موظفي الحكومة بلطف شديد وتلبى احتياجاته ويرد على شكواه بعناية واهتمام
الإنفاق العسكري يأتي في هامش الميزانية والتركيز في الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات وتحقيق العدل والأمن والمساواة في الحقوق والواجبات، وقد أثمر هذا في المواطن احترام القوانين، والالتزام الشديد في تطبيقها حتى يخيل إليك أنهم فطروا عليها
المسلمون في موريشيوش شعارهم قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :” أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ” لذلك تراهم رغم أنهم أقلية إلا أنهم نشيطون جدا ومتفاعلون جدا في خدمة المجتمع والمشاركة الفعالة مع كل أطياف المجتمع قدر ما لديهم من إمكانات، وقد ظهر ذلك جليا حال نازلة كرونا حيث كان التعاون والتكافل وتوزيع الطعام وسد حاجة المحتاجين والفقراء
د/ وفا علي وفا